قلت: ومن هذه النصوص النبوية الصحيحة الصريحة وأقوال السلف فيها نخلص بما يلي:
١ - أن العلم بمدلول الشهادتين شرط في قبولهما لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "حتى يقولوا"، وقوله:"حتى يشهدوا"، وقوله:"وكفر بما يعبد من دون الله"، وقوله:"من وحد الله": وقوله: "فإذا عرفوا الله" في حديث معاذ -رضي الله عنه-.
٢ - أن المشرك لا يعرف الله ولا يعبده. لأن الشرك ينفي صفة التأله لله وحده، وأن معبوده هو الشيطان وليس هو الله وإن ادّعى غير هذا.
٣ - أن النطق بالشهادتين بدون الانخلاع من الشرك لا يغني عن صاحبه شيئاً.
٤ - أن النطق مرتبط بالمعرفة لا ينفع إحداهما بدون الأخرى.
٥ - أن غاية القتال وارتفاعه عن رؤوس المشركين حين يعبدوا الله وحده ويلتزموا بالتوحيد وبتلقي الأحكام من الله وحده لا شريك له.
ومما يؤكد هذا -بفضل الله ورحمته- فضلاً عن دلالة النصوص السابقة من القرآن والسنة، فهم الصحابة -رضوان الله عليهم- أن النصوص على ظاهرها في أن غاية قتال المشركين هي: إفراد الله بالعبادة.
أخرج البخاري -عن جبير بن حية قال:"بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين ... فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعيد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين -تعالى ذكره- وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا -صلى الله عليه وسلم- أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية ... "(١) اهـ.
فهذا النص من الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة وهو في جموع المسلمين مع عدم الإنكار عليه وهذا الإجماع (السكوتي) من الجيل الأول رضوان الله عليهم لهو أدل دليل على
(١) راجع فتح الباري جـ: ٦ ص: ٢٩٨ - كتاب الجزية والموادعة.