أَغَرَّكَ أَنْ تُخَطِّيَكَ الرَّزَايا ... فَكَمْ لِلْمَوتِ مِنْ سَهْمٍ مُصيبِ؟
كؤوسُ المَوتِ دائرةٌ عَلَيْنَا ... وَمَا لِلْمَرءِ بُدٌّ مِنْ نَصيبِ
إلى كَمْ تَجْعَلُ التَّسْوِيفَ دَأْباً ... أَمَا يكْفِيكَ إنْذَارُ المَشِيبِ؟
أَما يكفيكَ أنَّكَ كُلَّ حِيْنٍ ... تمرُّ بغيرِ خِلٍّ أو حَبيبِ؟
كأنَّكَ قد لَحِقْتَ بهم قَرِيباً ... ولا يُغْنيكَ إفْراطُ النَّحِيبِ
قال سِبْطُ ابنِ الجوزيِّ: وأنشدني لموفق لنفسه:
أبعدَ بياضِ الشَّعرِ أُعمِّرُ مَسكناً ... سِوى القَبْرِ؟ إنِّي إنْ فَعلْتُ لأحمَقُ
يُخَبِّرُني شَيْبِي بأنيَ مَيِّمتٌ ... وَشيكًا، ويَنْعَانِي إليَّ، فَيَصْدُقُ
تخرَّقَ عُمري كُلَّ يومٍ وليلةٍ ... فهلْ مستطيعٌ رَفْلَ ما يَتَخَرَّقُ
كأني بجسمِي فَوقَ نَعْشِي مُمَدَّداً ... فَمِنْ سَاكِتٍ أو مُعْوِلٍ يَتَحَرَّقُ
إذا سُئِلوا عَنِّي أَجَابوا وأَعْوَلُوا ... وأدمُعُهم تَنْهَلُّ: هَذا المُوفَّقُ
وغُيِّبْتُ في صَدْعٍ من الأرضِ ضَيِّقٍ ... وأُودعْتُ لَحْداً فوقَهُ الصَّخْرُ مُطِبْقُ
ويحثوُ عَليَّ التُّربَ أوثقُ صَاحِبٍ ... ويُسْلِمُني للقبرِ مَنْ هُو مُشْفِقُ
فيا ربِّ كُنْ لي مُؤْنساً يومَ وَحْشَتي ... فإِنِّي لِما أنزلْتَهُ لَمُصَدِّقُ
وَمَا ضَرَّني أَنِّي إلى اللهِ صَائِرٌ ... وَمَنْ هو مِنْ أَهْلي أَبَرُّ وأَرْفَقُ
قال أبو شامة: ونقلتُ من خطه:
لا تجلسنَّ ببابِ مَنْ ... يأبى عليكَ دُخولَ دَارِهْ
وَتَقُولُ حَاجَاتِي إليـ ... ـه يَعُوقُهَا إن لم أُدَارِهْ
واتركْهُ وَاقْصِدْ رَبَّهَا ... تُقْضَى وَرَبُّ الدَّارِ كَارِهْ