وهو الذي لزق بالتراب واختلط به، من شدة هبوطه. وفي الحديث:"لأنفضنكم نفض الوذام التربة". وفي الدعاء على الرجل: تربت يداك، أي لزقت بالتراب. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه قال لرجل تزوج امرأة لما لها:"عليك بذات الدين، تربت يداك". وهذا كله بمعنى الانفعال؛ كأنه قد أترب، أو ترب فترب كما تقول: أتربت الكتاب وتربته. وأما قوله: أترب، إذا استغنى فمعناه أصاب من الغنى بكثرة التراب، فلما كان بمعنى أيسر وأكثر وأصاب، بني على أفعل، بالألف ولنقل الفعل أيضا. وفي هذا المعنى قولهم: جاء بالطم والترم، فالطم البحر وماؤه والرم التراب ونحوه.
وأما قوله: نظرت الرجل؛ إذا انتظرته، وأنظرته؛ إذا أخرته، فإن أصله من النظر بالعين أيضاً، إلا أنه يتصرف على وجوه للاتساع في الكلام، فيستعمل في العين مرة، وفي القلب مرة، وفي غير ذلك أيضاً، على التشبيه والاستعارة، ويخالف بين أبنيته ويعدى مرة بنفسه، ومرة بحرف الجر، ليفرق بذلك بين اختلاف معانيه، فلما كان الانتظار/ والتوقع في معنى أردته وطلبته وبغيته استعمل فعله على أمثلتها، وعدي، تعديتها، بغير حرف جر، فقيل: نظرته. وفرق بذلك بينه وبين قولك: نظرت إليه، في نظر العين، فإنه لا يكون إلا معه إلى، وبها يتعدى، كما قال الله لموسى:(ولَكِنِ انظُرْ إلَى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) وكقوله: (وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (٢٢) إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وكما قال المسيب: