للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصحيح الباب الثالث عشر

وهو المترجم بباب ما جاء وصفا من المصادر

اعلموا أن الصفات إنما هي الأسماء المشتقة للموصوف من أفعال فعلها هو، أو فعلت به، أو من أسماء ما فيه، من حلية أو نسب أو عيب، أو ما ضارع ذلك في المعنى كقولك: ضارب ومضروب. وتاجر وخشاب ونجار، وأعرج وأعور وأحمر وأبيض، وبصري وكوفي وتميمي وبكري، وشديد وظريف. فأما خصم ودنف وصعب وخدل/ ونحو ذلك مما وضع موضع الصفات، فهي الأسماء والمصادر كقولهم: رجل عدل، يريدون: عادل، ورجل رضي، يريدون: مرضي: فإنما فعل ذلك لما كان أصل الصفة من المصدر. وكان تأويل الفاعل والمفعول وسائر الصفات تأويل ذي الفعل، فإذا قلت عادل فمعناه ذو عدل. ومرضي معناه ذو رضي، فوضع اسم واحد موضع اسمين اختصارا.

[و] من كلامهم أن يحذف المضاف إيجازا، أو يقام المضاف إليه مقامه، إذا كان مما لا يلبس، كما قال الله عز وجل: (واسْأَلِ القَرْيَةَ) أي أهل القرية، وكما تقول العرب: اجتمعت اليمامة، يريدون: اجتمع أهل اليمامة؛ وذلك أنه قد علم أن القرية لا تسأل، واليمامة لا تجتمع، وإنما الاجتماع والمسألة لأهلهما، فلم يلبس، وكذلك إذا قلت رجل عدل فمعناه ذو عدل، وامرأة رضي معناه ذات رضي. فكما وضعت الفاعل والمفعول موضع الصفة، كذلك وضعت المصدر الذي هو أصل جميع ذلك؛ إذ لم يلبس؛ لأنه قد علم أن الرجل جسم، وأن العدل عرض، فلا يجوز أن يكون الرجل هو العدل فيشك فيه. وإنما معناه ذو عدل، فعلى هذا المضهب جاءت المصادر صفات طلبا للإيجاز والاختصار، فإذا جعلت المصادر صفات، فالوجه فيها الأجود، ألا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث؛ لأن المصادر أنفسها قبل أن يوصف بها لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث. وربما ثنوا منها وجمعوا وأنثوا الشيء، إذا كثر استعماله في الوصف، ودام الاستماع له وألف واعتيد، حتى يزول عن شبه المصادر ويدخل ف باب الأسماء والصفات/ بطول العادة، وذلك في الكلام قليل، وليس من المصادر شيء إلا ووضعه موضع الصفات جائز فيه مطرد منقاس غير منكسر، وإنما ذكر ثعلب أحرفا قليلة يتوهم من نظر فيها أن الوصف بغيرها من المصادر لا يجوز؛ فلذلك بينا ما بينا.

<<  <   >  >>