اعلموا أن هذا الباب إنما هو باب الفعل الذي لا يتعدى بنفسه، فيعدى بالباء أو بغيرها من حروف الجر، وحق هذا الباب أن تتعاقب فيه حروف الجر، وهمزة النقل، الداخلتان في أول الفعل وآخره، وألا يجتمعا فيه؛ لأن إحداهما تنوب عن الأخرى. وربما احتيج في بعض المواضع إلى الحرفين جميعا، وذلك إذا اجتمع في الفعل معنيان: أحدهما النقل، والآخر غير ذلك. أو يكون الفعل في الأصل مستعملاً بالهمزة، غير متعد وغير مستعمل بلا همزة، ثم يحتاج إلى تعديته فيدخل حرف الجر أيضاً، أو يحتاج فيه إلى نقل بعد نقل؛ فتكون الهمزة لأحد النقلين، والحرف الجار للنقل الآخر، ولا يجتمع هذا إلا لمثل هذا. والعامة ربما أدخلت حروف الجر على ما لا يحتاج إليها، أو الهمزة، فذكر مؤلف هذا الكتاب من ذلك طرفا، أخطأت فيه العامة. وربما أدخلوا حرف جر مكان آخر. والعرب تتكلم بغير ذلك.
فمن ذلك قوله: سخرت منه، وهزئت به. ومن مذهبه ومذاهب كثير من أهل اللغة، أن حروف الجر تتعاقب، فيقع كل واحد منها مكان الآخر، بمعنى واحد. وهذا إبطال حقيقة اللغة، وإفساد الحكمة فيها، وضد ما يوجبه العقل والقياس. وكل من كان على غير مذهبهم من أهل التحصيل والمعرفة، ينكرون ذلك. فإنكار مؤلف هذا الكتاب ما عليه العامة، واعتقاده واعتقاد أصحابه، دليل على/ فساد مذهبهم. وقد بينا هذا على الاستقصاء، في كتابنا في الرواية التي وصفناها وفي إبطال تعاقب الحروف.
فأما نصحَت وشكرت فإنهما يتعديان. وأشباهها بغير اللام. وإنما تُدخل اللام فيهما؛ ليعديا بها إلى مفعول آخر، غير ما يتعديان إليه بأنفسهما، كقولك: شكرت لفلان