قال أبو محمد: اعلموا أن الهمزة حرف صحيح، كسائر الحروف الصحاح، عند عامة النحويين. وقد جعلها "الخليل" من حروف العلة كالواو والياء والألف اللينة. والعرب تحقق/ الهمزة أحيانا، وتخفضها أحيانا، في مواضع معلومة؛ لعلل عارضة؛ ولذلك حدود مفهومة. والعامة تنزل الهمزة في أكثر الكلام لثقلها، وتجعل بدلها الواو والياء والألف. فربما وافقت بذلك تخفيف العرب، أو لغة قريش، أو غيرها من العرب؛ فيكون لذلك قياس ووجه. وربما كان خطأ العامة، مخالفا لكلام العرب، وخارجا عن حد العربية؛ لجهل العامة بصواب الكلام؛ فقصد ثعلب ذكر ما تهمزه العامة، واصله الهمز. وليس ترك الهمز في عامة ما أنكره ثعلب بخطأ، وإن كان الأصل فيه الهمز. وأهل العربية يزعمون أن النبي أصله الهمز؛ لأنه عندهم من أنبأه الله، والعرب كلهم لا يهمزونه، إلا في ضرورة شعر وشذوذ. وكذلك نزل به القرآن، بغير همز في قوله [تعالى]: (إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) وقوله [تعالى]: (ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ) وقوله [تعالى]: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ). وقد قال رجل: يا نبي الله؛ فهمز، فقال له:"لست بنبيء الله، فهمز، ولكني نبي الله"، ولم يهمز. وقال أيضا: "لا تَنْبِروا باسمي؛ أي لا تهمزوه. والنبر: الهمز. فأما قوله في هذا الباب: رَقيت الصبي، ورقِيت في السلم، فليسا من هذا الباب؛ لأنهما من بنات الياء، ولكن اعترض بذكرهما ليبين الفرق بينهما وبين نظيرهما من المهموز، بكسر القاف.