اعلموا أن كل فعل، كان ماضيه على فعل، بكسر العين، لم يجز أن يكون مستقبله إلا يفعل، بفتح العين، ليخالف الماضي المستقبل في البناء، ويعتدلا في الخفة/ والثقل، كاعتدال الباب الأول، كما خالفه في المعنى، فيعلم كل واحد منهما بما يخصه من الأبنية، لأن اللفظ الواحد لا يدل على معنيين مختلفين حتى تضامه علامة لكل واحد منهما، فإن لم تكن فيه لذلك علامة، أشكل وألبس على المخاطب، وليس من الحكمة وضع الأدلة المشكلة، إلا أن تدفع إلى ذلك ضرورة أو علة بنية، ولا يجيء في الكلام غير ذلك إلا ما شذ وقل على غير القياس والأصل، وهذا مما يدل على أن قياس الأصل في مستقبل الباب الأول، إنما هو يفعل، بالكسر، وأن الضم داخل عليه بالمشاكلة، في الثقل، أو لعلة خفيت على النحويين؛ لأنهم عجزوا عن استخراجها. وربما شذ من كلامهم الشيء من هذا الباب، فيجيء ماضيه على القياس، ومستقبله على الباب الأول، فيحكى ذلك عنهم حكاية، ولا يقاس عليه؛ لأنه ليس بجار على الأصل، كقولهم: ومق يمق، وورم يرم، وولي يلي، ووسع يسع، ووطئ يطأ.
فالدليل على شذوذ هذا مخالفته الاعتدال، وقلته في الكلام، وأن مصدره مفتوح العين، بمنزلة مصدر ما انفتح عين مستقبله، وأنه قد جاءت في بعضه لغات غير شاذة، مثل: حسب يحسب، وأن كسر ماضيه ومستقبله ليس دالاً على معنى، كما يدل ضم الماضي والمستقبل على معنى معلوم، ولو كان هذا أصلاً غير شاذ لكثر في الكلام مع خفة الكسر، كما كثر المضموم، مع ثقله.