وأما قوله: والسؤر: ما بقي من الشراب وغيره في الإناء، مهموز، وسور المدينة غير مهموز؛ فإن البقية من الشيء يهمز؛ لأنه من قولهم: أسأرته، فأنا أسئره إسئارا، أي أبقيته. والباقي من كل شيء يسمى: السائر، وهو من قولهم: أعطني بعضه وخذ السائر، أو خذ سائره. والعامة لا تهمزه، وتركها الهمز فيه ليس بخطأ، ولكن الهمز أفصح وأعرف في السؤر. وأما سور المدينة فمن الارتفاع.
تقول: سار الغبار سورة، وسار الشراب في رأسه سورة، وسار الغضب سورة، وسر الحب في قلبه. وأنشدنا محمد بن يزيد:
أحبه حبا له سواري كما تحب فرخها الحباري
وأنشدنا أيضا في سور المدينة لجرير:/
لما أتى خبر الزبير توضعت سور المدينة والجبال الخشع
فزعم "سيبويه" أنه إنما قال: "تواضعت سور المدينة" لأن السور بعض المدينة فلما أضافه إلى مؤنث هو منه أنثه، كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه، وهذا حسن كثير في العربية، ولكن يجوز أيضا أن يكون إنما قال تواضعت؛ لأنه جمع السور إلى الجبال وخبر عنها معا، وهي جماعة فأنث لذلك. فأما قوله:"الخشع" فمثل قول الله تعالى: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ) يعني أنها مغبرة يابسة لا نبات فيها ولا شجر. وزعم "الخليل": أن الخضع المرتفعة، وأن الخشعة: ما ارتفع من الأرض ومن السور، من قولهم: تسور اللص الحائط، أي صعد عليه وتسلق. ومنه قول الله تعالى:(وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ). وقال الأخطل في سورة الشراب والغضب: