ذلك من هذا الباب. ومنهم من يكسر الماضي ويضم المستقبل، كأنه أخذ الماضي من لغة، والمستقبل من لغة أخرى، وذلك رديء في القياس، غير جار على أصل. واللغة الأولى هي الأصل، والأعرف الأفصح، وهو فتح الماضي وضم المستقبل، على وزن هرَب يهرُب، وبمعناه.
وأما قوله: شحَب لونه، وسهَم وجهه، بفتح الماضي وضم/ المستقبل، فهو المستعمل المعتاد، وهو على أصل، ويجوز في القياس ضم الماضي منهما، كما تتكلم به العامة على معنى أفعال المبالغة، أي كثر ذلك فيه، بمنزلة ظرُف وكرُم. وهو أصل آخر؛ لأن هذا البناء يدخل على كل فعل، أريدت المبالغة فيه، وليس الضمن فيهما بخطأ على ما بينا، إذا جيء بفاعلهما على فعيل مثل ظريف وكريم، فقيل: شحيب وسهيم على القياس، ولكنه في الاستعمال قليل، والمعتاد في فاعله: شاحب وساهم. فإن كان فاء الفعل من هذا الباب واواً، ولم: ن آخره من حروف الحلق، فإن ثانيه لا يكون إلا مكسوراً، لئلا يجتمع ثقل الضمة، وثقل الواو، ولكن يسقط منه في المستقبل كقولهم: وزن يزن، ووعد يعد، وأصلهما يَوْعِد ويَوزِن، ولكنه كره وقوع الواو بين ياء وكسرة، فحذفت تخفيفاً، ثم أجريت مع سائر حروف المضارعة مجراها مع الياء في الحذف؛ لأن معناهن معنى واحد. فإن كان ثاني هذا الضرب من الأفعال من حروف الحلق، أو ثالثه، جاز فيه من الفتح ما جاز في الصحيح. فمن ذلك قولهم: وَلَغَ يَلَغُ، إنما أصله يلِغ، بكسر اللام على ما يقوله العامة، مثل يزن ويعد، ولذلك حذفت الواو في مستقبله؛ لأنها وقعت بين ياء وكسرة، ولكن فتحت اللازم من أجل العين، كما قالوا يضع ويدع ونحو ذلك. وهذا مذهب الأصمعي وقوله. وأما أبو زيد الأنصاري فقال: أخطأ الأصمعي، وإنما ولِغ الكلب يلَغ، بكسر اللام من الماضي، وفتح من المستقبل، مثل: وسِع يسَع، وليس هذا منه هذا الباب. روى ذلك/ لنا أبو العباس، والسكري عن الرياشي عن الأصمعي وأبي زيد. وإن العامة مخطئة في كسر لام المستقبل. وقول أبي زيد يَقوَى بقولهم: شرب يشرب، وجرِعَ يجرَع، ولحِس يلحَس، لأنه بمعناها.