للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَسَّمَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ صِفَةَ الْمَمْدُوْحِيْنَ إِلَى: ضَرِّ الْأَعْدَاءِ، أَوْ نَفْعِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ جَمَعَهَا فِي الثَّانِيْ، حَيْثُ قَالَ: «سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ».

وَالثَّالِثُ (١): وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ، ثُمَّ يُوْقِعَ التَّبَايُنَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُضِيْفَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى التَّعْيِيْنِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٥ - ١٠٨].

فَأَمَّا الْجَمْعُ: فَفِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: (نَفْسٌ) مُتَعَدِّدُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِيْ سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ.

وَأَمَّا التَّفْرِيْقُ: فَفِيْ قَوْلِهِ: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}.

وَأَمَّا التَّقْسِيْمُ: فَفِيْ قَوْلِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} ..... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ التَّقْسِيْمُ عَلَى أَمْرَيْنِ آخَرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُذْكَرَ أَحْوَالُ الشَّيْءِ مُضَافاً إِلَى كُلِّ حَالٍ مَّا يَلِيْقُ بِهَا؛ كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: [الطّويل]

سَأَطْلُبُ حَقِّيْ بِالْقَنَا وَمَشَايِخٍ ... كَأَنَّهُمُ مِنْ طُوْلِ مَا الْتَثَمُوْا مُرْدُ

ثِقَالٌ إِذَا لَاقَوْا، خِفَافٌ إِذَا دُعُوْا ... كَثِيْرٌ إِذَا شَدُّوْا، قَلِيْلٌ إِذَا عُدُّوْا (٢)

ذَكَرَ أَحْوَالَ الْمَشَايِخِ، وَأَضَافَ إِلَى كُلِّ حَالٍ مَّا يُنَاسِبُهَا؛ إِذْ أَضَافَ إِلَى الثِّقَلِ حَالَ الْمُلَاقَاةِ، وَإِلَى الْخِفَّةِ حَالَ الدُّعَاءِ، وَهَكَذَا إِلَى الْآخِرِ.


(١) أي: الجمع مع التَّفريق والتَّقسيم.
(٢) له في ديوانه ١/ ٣٧٣، وتفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطّيّب ص ٩٠، والإيضاح ٦/ ٥٢، ومعاهد التّنصيص ٣/ ٨، ونفحات الأزهار ص ٢١٠. وبيانه: هؤلاء المحاربون المحنّكون المجرَّبون كأنّهم من طول تلثُّمِهم مُرْدٌ لا لِحىً لهم؛ لأنّ لِحاهم مستورةٌ باللُّثُم.

<<  <   >  >>