فتبين أن الحكم معلّقٌ بظهور القبور، لا بظن نجاسة التراب؛ وأيضًا من علل ذلك بالنجاسة، فإن غايته أن يكره الصلاة عند الاحتمال، كما قاله من كره الصلاة في المقبرة والحمام والأعطان، ولم يحرمها كما ذهب إليه طائفة من العلماء، لكن هذا قول ضعيف؛ لأن السنة فرّقت بين معاطن الإبل ومبارك الغنم، ولأنه استثنى كونها مسجدًا، فلم تبق محلًا للسجود، ولأنه نهى عن ذلك نهيًا مؤكدا بقوله قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". ولأنه لعن على ذلك بقوله: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما فعلوا، ولأنه جعل مثل هؤلاء شرار الخليقة، بقوله: "إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". وأيضًا فإنه قد ثبت بسنته أن احتمال نجاسة الأرض لا يوجب كراهة الصلاة فيها، بل ثبت بسنته أن الأرض تطهر بما يصيبها من الشمس والريح والاستحالة، كما هو قول طؤائف من العلماء، كأبي حنيفة والشافعي في قول، ومالك في قول، وهو أحد القولين في مذهب أحمد؛ فإنه ثبت أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. وثبت في الصحيح عنه: أنه كان يصلي في نعليه. وفي السنن عنه، أنه قال: "إن اليهود لا يصلون في نعالهم، فخالفوهم". وقال: "إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن كان فيهما أذى=