وهذا لأنّ افتتاحه إلى جهة تلك الجهة قبلة في حقه عملًا فيكون حاله كحال أهل قباء حين كانوا يصلون إلى بيت المقدس فأتاهم آت وأخبرهم أن القبلة حولت إلى الكعبة فاستداروا كهيئتهم وهم ركوع ثمّ جوز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاتهم، وعلى هذا قالوا لو صلّى بعض الصّلاة إلى جهة بالتحري ثمّ تحول رأيه إلى جهة أخرى يستقبل تلك الجهة ويتم صلاته؛ لأنّ الاجتهاد لا ينقض بمثله. ولكن في المستقبل يبني على ما أدى إليه اجتهاده حتّى روي عن محمّد أنه قال: لو صلّى أربع ركعات إلى أربع جهات بهذه الصِّفَة يجوز. واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه إلى الجهة الأولى فمنهم من يقول يستقبل تلك الجهة أيضًا فتتم صلاته جريًا على طريقة القياس. ومنهم من يستقبح هذا ويقول إذا آل الأمر إلى هذا فعليه استقبال الصّلاة؛ لأنه كان أعرض عن هذه الجهة في هذه الصّلاة فليس له أن يستقبلها في هذه الصّلاة أيضًا، فأمَّا إذا افتتح الصّلاة مع الشك من غير تحر ثمّ تبين له في خلال الصّلاة أنه أصاب القبلة أو أكبر رأيه أنه أصاب فعليه الاستقبال لأنّ افتتاحه كان ضعيفًا حتّى لا يحكم بجواز صلاته ما لم يعلم بالإصابة، فإذا علم في خلال الصّلاة فقد تقوى حاله وبناء القوي على الضعيف لا يجوز فيلزمه الاستقبال بخلاف ما إذا علم بعد الفراغ فإنّه لا يحتاج إلى البناء، ونظيره في المومئ والمتيمم وصاحب الجرح السائل يزول ما بهم من العذر، وإذا كان بعد الفراغ لا يلزمهم الإعادة وإن كان في خلال الصّلاة يلزمهم الاستقبال، فأمَّا إذا كان افتتحها من غير شك وتحر فإن تبين في خلال الصّلاة أنه أخطأ فعليه الاستقبال وإن تبين أنه أصاب فهذا الفصل غير مذكور في الكتاب. وكان الشّيخ أبو بكر محمّد بْن الفضل - رحمهم الله تعالى - يقول: يلزمه الاستقبال أيضًا لأنّ افتتاحه كان ضعيفًا، ألَّا ترى أنه إذا تبين الخطأ تلزمه الإعادة، فإذا تبين الصواب في خلال الصّلاة فقد تقوى حاله فيلزمه الاستقبال. وكان الشّيخ الإمام أبو بكر محمّد بْن حامد - رحمه الله تعالى - يقول: لا يلزمه الاستقبال وهو الأصح؛ لأنّ صلاته هنا في الابتداء كانت صحيحة لانعدام الدّليل المفسد فبالتبين لا تزداد =