وقال النووي في شرحه لمسلم عقب رقم (٥٣٦): اعلم أن الأقعاء ورد فيه حديثان: ففي هذا الحديث أنه سنة، وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي وغيره من رواية علي، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - من رواية سمرة وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة وأنس، وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافاً كثيراً لهذه الأحاديث، والصواب الذي لا معدل عنه، أن الإقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب. هكذا فسّره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلاّم وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. والنوع الثاني: أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس بقوله: سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. وقد نصّ الشافعي - رضي الله عنه - في البويطي والإملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عليه جماعات من المحققين منهم: البيهقي والقاضي عياض وآخرون رحمهم الله تعالى. قال القاضي عياض: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال: وكذا جاء مفسراً عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (من السنة أن تمس عقبيك إلييك) هذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس. وقد ذكرنا أن الشافعي - رضي الله عنه - على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وله نص آخر وهو الأشهر: أن السنة فيه الافتراش، وحاصله أنهما سنتان وأيهما أفضل؟ فيه قولان؛ وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتهما الافتراش، وجلسة التشهد الأخير السنة فيه التورك. هذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه -، وقد سبق بيانه مع مذاهب العلماء رحمهم الله تعالى.