للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهذا يقتضي إمكان إمساكها، وأنه وقع طلاقه، ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك، لما وقع طلاقه، ولا أمكنه إمساكها؛ ولأن سبب هذه الفرقة يقف على الحاكم، فالفرقة المتعلّقة به، لم تقع إلّا بحكم الحاكم كفرقة العنة.
والرواية الثانية: تحصل الفرقة بمجرد لعانهما، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي عبيد عنه، وأبي ثور، وداود، وزفر، وابن المنذر. وروي ذلك عن ابن عباس، لما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا. رواه سعيد. ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على حكم الحاكم الرضاع؛ ولأن الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم، لساغ ترك التفريق إذا كرهاه، كالتفريق للعيب والإعسار، ولوجب أن الحاكم إذا لم يفرق بينهما أن يبقى النكاح مستمرًا. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبيل لك عليها" يدلّ على هذا، وتفريقه بينهما بمعنى إعلامه لهما بحصول الفرقة.
وعلى كلتا الروايتين لا تحصل الفرقة قبل تمام اللعان منهما.
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده، وإن لم تلتعن المرأة؛ لأنها فرقة حاصلة بالقول، فتحصل بقول الزوج وحده، كالطلاق، ولا نعلم أحدًا وافق الشافعي على هذا القول، وحكي عن البتي: أنه لا يتعلق باللعان فرقة، لما روي أن العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثًا، فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه، وكلا القولين لا يصحّ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرّق بين المتلاعنين. رواه عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وأخرجهما مسلم. وقال سهل: فكانت سنة لمن كان بعدهما، أن يفرق بين المتلاعنين. وقال عمر: المتلاعنان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا.
وأما القول الآخر: فلا يصح؛ لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بين المتلاعنين، ولا يكونان متلاعنين بلعان أحدهما، وإنما فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما بعد تمام اللعان منهما، فالقول بوقوع الفرقة قبله تَحَكُّمٌ يخالف مدلول السنة وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأن لفظ اللعان لا يقتضي فرقة فإنه إما أيمان على زناها أو شهادة بذلك ولولا ورود الشرع بالتفريق بينهما لم يحصل التفريق وإنما ورد الشرع به بعد لعانهما فلا يجوز تعليقه على بعضه كما لم يجز تعليقه على بعض لعان الزوج؛ ولأنه فسخ ثبت بأيمان مختلفين فلم =

<<  <   >  >>