للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فصل: وذكر بعض أهل العلم: أن الفرقة إنما حصلت باللعان؛ لأن لعنة الله وغضبه قد وقع لأحدهما لتلاعنهما، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند الخامسة: أنها الموجبة؛ أي: إنها توجب لعنة الله وغضبه، ولا نعلم من هو منهما يقينًا، ففرقنا بينهما خشية أن يكون هو الملعون فيعلو امرأة غير ملعونة. وهذا لا يجوز، كما لا يجوز أن يعلو المسلمة كافر، ويمكن أن يقال على هذا: لو كان هذا الاحتمال مانعًا من دوام نكاحهما لمنعه من نكاح غيرها، فإن هذا الاحتمال متحققٌ فيه. ويحتمل أن يكون الموجب للفرقة: وقوع اللعنة والغضب بأحدهما غير معين، فيفضي إلى علو ملعون لغيرٍ أو إلى إمساكه لملعونة مغضوب عليها. ويحتمل: أن سبب الفرقة: النفرة الحاصلة من إساءة كل واحدٍ منهما إلى صاحبه، فإن الرجل إن كان صادقًا فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام خزي، وحقق عليها اللعنة والغضب، وقطع نسب ولدها. وإن كان كاذبًا فقد أضاف إلى ذلك بهتها وقذفها بهذه الفرية العظيمة. والمرأة إن كانت صادقةً فقد كذبته على رؤوس الأشهاد، وأوجبت عليه لعنة الله. وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها وألزمته، الفضيحة وأحوجته إلى هذا المقام المخزي، فحصل لكل واحدٍ نفرة من صاحبه، لما حصل إليه من إساءته، لا يكاد يلتئم لهما معها حالٌ، فاقتضت حكمة الشارع انحتام الفرقة بينهما، وإزالة الصحبة المتمحضة مفسدةٌ؛ ولأنه إن كان كاذبًا عليها، فلا ينبغي أن يسلط على إمساكها مع ما صنع من القبيح إليها. وإن كان صادقًا فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها. ولهذا: قال العجلاني: كذبت عليها إن أمسكتها.
المسألة الثانية: أنها تحرم عليه باللعان تحريمًا مؤبدًا، فلا تحل له. وإن أكذب نفسه في ظاهر المذهب، ولا خلاف بين أهل العلم في أنه: إذا لم يكذب نفسه لا تحل له إلّا أن يكون قولًا شاذًا. وأما إذا أكذب نفسه: فالذي رواه الجماعة عن أحمد: أنها لا تحلّ له أيضًا. وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالبٍ، وابن مسعود - رضي الله عنهم -: أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا. وبه قال الحسن، وعطاء، وجابر ابن زيد، والنخعي، والزهري، والحكم، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأبو يوسف. وعن أحمد رواية أخرى: إن أكذب نفسه، حلت له. وعاد فراشه بحاله. وهي روايةٌ شاذةٌ شذّ بها حنبل عن أصحابه. قال أبو بكرٍ: =

<<  <   >  >>