للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يبوْلَنَّ أَحَدَكُمْ في الْمَاءٍ الرَّاكِدِ" الحديث. لاَ يَمسُّ مَحَلّ الخلاف.

وهذا لأن حقيقة الخلاف، إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجّسه على تغيّره. انتهى.

وأنا أقول: إن هذا التقدير لا يعرف عن أبي حنيفة -رحمه اللهُ- النَّظَرُ إليه بوجهٍ، وإنما حقيقة مذهبه: ما قاله الرازي (١) في أحكام القرآن من سورة الفرقان وهو قوله: وأمَّا الماءُ الذي خالطته نجاسة، فإن مذهب أصحابنا فيه: أن كل ما تيقنّا فيه جزءًا من النجاسة أو غلب في الظنّ ذلك، لم يجز استعماله، ولا يختلف في هذا الحد: مَاءُ البحرِ، وماءُ البئرِ، والغديرِ، والماءُ الراكد، والماء الجاري؛ لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك الماء الجاري.


= للمذهب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدّائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة" كما هو رواية أبي داود، أو: "ثمّ يغتسل منه أو فيه" كما هو روايتا الصحيحين، لا يمس محل النزاع، وهذا لأن حقيقة الخلاف إنّما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلَّا به.
(١) قال المصنف في تاج التراجم (ص ٢): أحمد بن علي أبو بكر الرازي، المعروف بالجصّاص، ولد سنة خمس وثلاث مئة، وسكن بغداد، وانتهت إليه رياسة الحنفية، وسئل العمل في القضاء، فامتنع، تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرّج به، وكان على طريقة من الزهد والورع، وخرج إلى نيسابور ثم عاد وتفقه عليه جماعة، وروى عن: عبد الباقي بن قانع، وله كتاب أحكام القرآن، وشرح مختصر الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح الجامع لمحمد بن الحسن، وشرح الأسماء الحسنى، وله كتاب في أصول الفقه، وكتاب جوابات مسائل، توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاث مئة ببغداد، وقد وهم من جعل الجصاص غير أبي بكر الرازي بل هما واحد.

<<  <   >  >>