والجواب: أن يقال أما صنع أهل الميت الطعام لأنفسهم فلم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل يدل على المنع منه. وأما الاجتماع عند أهل الميت وصنعهم الطعام للناس فهو من المحدثات التي ليس عليها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم بإحسان. وكل عمل ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها, وفي رواية لأحمد ومسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» , وقد تقدم قول عمر رضي الله عنه أن الاجتماع إلى أهل الميت وإطعام الطعام من النياحة. وتقدم أيضاً قول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه:«كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة» وتقدم أيضاً قول أبي البختري وسعيد بن جبير أنه من أمر الجاهلية, وفي هذا مع ما ذكرت قبله من الحديث الصحيح وقول عمر وجرير بن عبد الله رضي الله عنهما أوضح دليل على المنع من بدعة المأتم, ومن لم يفقه هذا الدليل الواضح فليستعذ بالله من الطبع على القلب.
فصل
وأما قول صاحب المقال الباطل: أما دليلنا على الجواز فإنه ما رواه أبو داود في سننه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فلما رجع استقبله داعي امرأته - أي زوجة الميت - فأجاب ونحن معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا. وفي هذا الحديث دلالة صريحة على جواز ما يصنعه أهل الميت من طعام ودعوة الناس إليه سواء بقصد طلب