وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام للناس بدعة. وقال بعضهم أنها بدعة مستقبحة, واقتصر بعضهم على القول بأن ذلك مكروه, والظاهر أنهم أرادوا بالكراهة كراهة التحريم لأنهم عللوا المنع من ذلك بأنه من النياحة واستدلوا على ذلك بحديث جرير بن عبد الله البجلي الذي تقدم ذكره, والنياحة من الكبائر, والكبائر كلها محرمة. وقد منع الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى من بدعة المأتم, قال ابن أبي شيبة: حدثنا معن بن عيسى عن ثابت بن قيس قال: أدركت عمر بن عبد العزيز يمنع أهل الميت الجماعات يقول ترزون وتغرمون, وقد قال محمد بن سيرين وغيره من أكابر التابعين أن عمر بن عبد العزيز من أئمة الهدى, وقد تقدم قول ابن ماجه في سننه:«باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام» ثم أورد في الباب حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه, وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة انتهى, ونقل العلّامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في كتابه «عون المعبود» قول ابن الهمام في «فتح القدير»: شرح الهداية, يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم, ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة انتهى قال أبو الطيب: ويؤيده حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: «كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة» أخرجه ابن ماجه.
وبوّب «باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام» وهذا الحديث سنده صحيح ورجاله على شرط مسلم قاله السندي, وقال أيضاً قوله:«كنا نرى» هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير من