لم يبدأ الخطيب في الكلام عن مآدب المآتم وتحريمها حتى نهض المصلون وتركوا المسجد رغبة عن السماع لمثل هذا الكلام. انتهى كلامه.
والجواب: أن يقال هذا الكلام كله خطأ من أوله إلى آخره لأنه يتضمن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف, ويتضمن أيضاً رؤية المعروف منكراً ورؤية المنكر معروفاً, وهذا من مصداق ما جاء في الحديث الذي رواه رزين عن علي رضي الله عنه مرفوعاً, وفيه:«كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف» قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن قال: «نعم وأشد, كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً» قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن قال: «نعم». وروى أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً». وروى ابن وضاح عن ضمام بن إسماعيل المعافري عن غير واحد من أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً».
وروى ابن وضاح أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:«يأتي على الناس زمان تكون السنة فيه بدعة والبدعة سنة والمعروف منكراً والمنكر معروفاً» , وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضاً, وهي تنطبق على صاحب المقال وعلى أمثاله من المفتونين بالبدع. وما أكثرهم في زماننا لا كثرهم الله.
فأما قول الكاتب ما بال خطباء المساجد عندنا يريدون أن يحجروا واسعاً ويتدخلوا حتى في خصوصيات الناس ويفتون بأن الولائم التي تقام للعزاء محرمة ومخالفة لسنة رسول الله, لماذا؟
فجوابه من وجوه, أحدها أن يقال: إن الخطباء الذين أشار إليهم الكاتب لم يحجروا شيئاً من الأمور الجائزة وهي التي لم يرد الشرع المطهر