بحال وتبيين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثّل لها بصلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد واجتمع الناس خلفه - ثم ذكر الشاطبي حديث أبي ذر رضي الله عنه في قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس ثلاث ليال في العشر الأواخر من رمضان وذكر أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها في ذلك وفيه أنهم لما اجتمعوا في الليلة الثالثة أو الرابعة لم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح قال:«قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن يفرض عليكم» وقد ذكرت هذين الحديثين في الوجه الأول وذكرت معهما حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما, بنحو حديث أبي ذر رضي الله عنه - ثم قال الشاطبي بعد ذكره لحديث عائشة رضي الله عنها فتأملوا ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة فإن قيامه أولاً بها دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان, وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً لأن زمانه كان زمان وحي وتشريع فيمكن أن يوحى إذا عمل به الناس بالإلزام, فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع الأمر إلى أصله وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له, وإنما لم يقم ذلك أبو بكر رضي الله عنه لأحد أمرين, إما لأنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل, ذكره الطرطوشي, وإما لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلاة التراويح, فلما تمهد الإسلام في زمن عمر رضي الله عنه ورأى الناس في المسجد أوزاعاً - كما جاء في الخبر - قال: لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل, فلما تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل, ثم اتفق السلف على صحة ذلك وإقراره, والأمة لا تجتمع على ضلالة,