البدع والأمر بردها, وقد قال أبو عبد الله ابن الحاج في كتابه «المدخل»: المولد إذا خلا من السماع وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان فهو بدعة بنفس نيته فقط إذ أن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين, واتباع السلف أولى, بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له ولسنته - صلى الله عليه وسلم - ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك, ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم انتهى.
وقال تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني - وهو من متأخري المالكية - في كتابه المسمى بـ «المورود, في الكلام على عمل المولد» أما بعد فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين وقصدوا الجواب عن ذلك فقلت: وبالله التوفيق, لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولم ينقل عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين, بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون. بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً. وليس بواجب إجماعاً ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه, وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت. وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت, ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً, وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين, والتفرقة بين حالين.