الوجه الثالث أن يقال: إن التجربة التي ذكرها الكاتب ليست حجة شرعية على جواز التوسع في البدع والاحتفالات التي لم تكن من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم, وإنما هي في الحقيقة من تزيين الشيطان للكاتب وتلاعبه بعقله وعقول أشباهه من الذين لم يهتدوا بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينتهوا عما نهى عنه من البدع والإحداث في الدين.
وقد أنكر ابن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما على جماعة من التابعين كانوا يجلسون في المسجد حلقاً ويكبرون الله ويهللونه ويسبحونه ويعدّون التكبير والتهليل والتسبيح بالحصى وعدَّ ابن مسعود رضي الله عنه أفعالهم هذه من البدع وإن كانت في الظاهر من أفعال الخير التي تؤثر في القلوب. وقد رويت القصة في ذلك من عدة طرق, منها ما رواه الطبراني في الكبير عن عمرو بن سلمة قال: كنا قعوداً على باب ابن مسعود رضي الله عنه بين المغرب والعشاء فأتى أبو موسى رضي الله عنه فقال: اخرج إلينا أبا عبد الرحمن فخرج ابن مسعود رضي الله عنه فقال أبا موسى ما جاء بك هذه الساعة قال: لا والله إلا أني رأيت أمراً ذعرني وإنه لخير ولقد ذعرني وإنه لخير قوم جلوس في المسجد ورجل يقول سبحوا كذا وكذا, احمدوا كذا وكذا, قال: فانطلق عبد الله وانطلقنا معهم حتى أتاهم فقال: «ما أسرع ما ضللتم وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحياء وأزواجه شواب وأبنيته لم تغير, أحصوا سيئاتكم فأنا أضمن على الله أن يحصي حسناتكم».
ومنها ما رواه الدارمي عن عمرو بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى