وقد روى أبو الفرج ابن الجوزي بإسناده إلى سفيان الثوري أنه قال:«البدعة أحب إلى إبليس من المعصية, المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها» , وأيضاً فإن البدع بريد الشرك وهي تؤول إليه. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: المبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وكان من شركهم أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم انتهى. وقال السدي في تفسير هذه الآية استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
قلت: وهذا هو المطابق لحال أهل البدع فإنه استنصحوا الذين يدعونهم إلى البدع ويرغبونهم فيها ونبذوا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهورهم.
ومن هذا الباب ما يفعله المفتونون بإقامة الولائم في المآتم فإنهم قد استنصحوا أدعياء العلم الذين يفتون بجواز إقامتها وحضورها ويحسّنون ذلك للعوام ولا يبالون بمخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برد المحدثات ولا يبالون بما ثبت عنه من التحذير منها والمبالغة في ذمها ووصفها بالصفات الذميمة.
الوجه الثاني: أن يقال: إنه يجب على العلماء محاربة البدع والتحذير منها ومحاربة الرذائل والمفاسد وجميع المنكرات والتحذير منها, ولا يكتفى بمحاربة أحدها عن محاربة غيره ولكن يبدأ بالأهم فالأهم منها, فيبدأ بالنهي والتحذير من أشدها خطراً على الدين وهي البدع التي تمحو السنن وتهدم الإسلام كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن