ومفهوم كلامه يدل دلالة ظاهرة على أنه يرى أن المسلمين متصفون بالبداوة. وما ذاك إلا أنهم قد وقفوا عند حدود الشريعة ولم يجاوروها إلى العمل بالاستحسان وما تدعو إليه أهواء النفوس وشهواتها من الاحتفالات التي لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان. ولو أن الكاتب تأمل أحوال الذين زعم أنهم أمم متحضرة لتبين له أن حضارتهم ومدنيتهم يرجع حاصلها إلى التوسع في استحلال المحرمات وإعطاء النفوس حظها مما تميل إليه من الشهوات واللذات, فليس لهم دين يردعهم عن المحرمات وعن الشرع في الدين بما لم يأذن به الله, وليس لهم من المروءة والشيم ما يمنعهم عن تعاطي الأمور التي تدنس وتشين عند ذوي الأحلام والنهى.
الوجه الرابع: أن يقال إن الكاتب لما لم يجد ما يستند إليه في دعائه إلى توسيع نطاق البدع - وذلك بالاحتفال بالأيام التي كان لها ذكر في تاريخ الإسلام - ذهب يدعو إلى تقليد أمم الكفر والضلال والاستنان بسننهم ليطبق بذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم».
وإذا كان الكاتب لا يرى بأساً بالاقتداء بأمم الكفر والضلال ولا يبالي بمخالفة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وقوله أيضاً: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» فلا شك أنه مصاب في دينه وعقله.