أعمى الله بصيرته. وقد ذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على البكري أربعة أبيات من البردة وأنكر على قائلها وقال فيه: ومنهم - أي من المبالغين في الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - - من يقول أسقط الربوبية وقل في الرسول ما شئت.
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت منم
لو ناسبت قدره آياته عِظَماً ... أحيا اسمه عين يدعى دارس الرمم
انتهى ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى, ولا يخفى على من نوّر الله قلبه بنور العلم والإيمان أن قصيدة البردة مشتملة على الشرك بالله تعالى ودعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - والالتحاء إليه واللياذ به عند الشدائد وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله. وقد زعم الناظم أن من جوده الدنيا وضرتها - أي الآخرة - وأن من علومه علم اللوح والقلم. وهذا الغلو والإطراء مردود بقول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} وقوله تعالى: {قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً} وقوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وقوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
وروى الإمام أحمد والبخاري والدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله» وروى الإمام أحمد أيضاً