للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما تشيخ فيه القُوى الظاهرة الحسِّيةُ، فاتَّهموا مثل هذا الشخص واحذروه، وأعرضوا عنه إعراض مداراةٍ بلا جدلٍ ولا خصومةٍ.

وصفةُ الامتحان بصحة إدراك الشخص وعقله وفهمه: أنْ تسألوه عن مسألة سلوكية، أو علمية، فإذا أجاب عنها فأوْرِدوا على الجواب إشكالًا متوجِّهًا بتوجيه صحيح، فإن رأيتم الرجل يروح يمينًا وشمالًا، ويخرُج عن ذلك المعنى إلى معانٍ خارجة، وحكايات ليست في المعنى حتى ينسى ربُّ المسألةِ سؤالَه، حيث تَوَّهَهُ عنه بكلامٍ لا فائدة فيه، فمثل هذا لا تعتمدوا على طعنه، ولا على مدحه، فإنه ناقصُ الفطرة، كثيرُ الخيال، لا يثبُت على تحرِّي المدارك العلمية، ولا تُنكروا مثل إنكار هذا، فإنه اشتهر قيام ذي الخُوَيْصِرة التَّميمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله له: «اعدل ــ فإنك لم تعدِلْ ــ إن هذه قسمةٌ لم يُرَدْ بها وجهُ الله تعالى» (١) أو نحو ذلك.

فوقوع هذا وأمثالِه من بعض معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فإنه قال: «لتركَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم حَذوَ القُذَّة بالقُذَّة» (٢)، وإن كان ذلك في اليهود والنصارى، لكنْ لَمَّا كانوا منحرفين عن نَهْج الصواب، فكذلك يكون في هذه الأمة من يحذو حَذوَ كل منحرف وجد في العالم، متقدّمًا كان أو متأخّرًا، حَذو القُذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلوه.

يا سبحانَ الله العظيم! أين عقولُ هؤلاء؟ أعَمِيَت أبصارُهم وبصائرُهم؟ أفلا يرون ما الناسُ فيه من العَمَى والحيرة في الزمان المظلم المُدْلَهِمِّ، الذي


(١) متفق عليه.
(٢) متفق عليه.

<<  <   >  >>