للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرض دليلين قطعيين يتعارضان من المحال إن كانا عقليين أو عقليًّا ونقليًّا، قال: لأن الدليل هو الذي يجب ثبوت مدلوله، فإمَّا أن لا يكونا قطعيين، وإمَّا أن لا يكون مدلولاهما متناقضين. وعلى هذا المقصد الجليل بنى كلامه المتين، وتقاسيمه العجيبة المحيطة المحضة في أول قاعدته الكبيرة الباهرة التي ألفها في [دفع «تعارض] العقل للنقل». فكانت مقاصده وتحقيقاته في هذا [الباب العظيم] عجبًا من عجائب الوجود.

وكان يقول: لا يتصور [أن يتعارض حديثـ]ـان صحيحان قط إلا أن يكون الثاني منهما ناسخًا للأول. قال: والإمام أحمد بن حنبل كان في زمنه يصرح [به، ويلتزم] تحقيقه، وأنا في زمني ألتزم حكم هذه القاعدة [أيضًا]، والنهوض بالجواب عن كل ما يعارضها.

وكان رحمه الله ورضي عنه يذبُّ عن الشريعة ويحمي حوزَة الدِّين بكل ما يقدر عليه، وكان كما عُلم من حاله لا يخاف في هذا الباب لومة لائم، ولا ينثني عما يتحقق عنده، ولم يزل على ذلك إلى أن قضى نَحْبه، ولقي ربه، فقدس الله روحه، ونور ضريحه، ونصر مقاصده، وأيَّد قواعدَه، والله سبحانه يعلم حُسْن قصده، وصحة علومه ورجحان دليله، وهو ناصر الحق وأهله، ولو بعد حين.

وجميع ما وقع من هذه الأمور فيه من الدلالة إن شاء الله على [شمول أمره، وظهور] كلمة هذه العلوم الباهرةِ أكثر مما فيه من الدلالة على خلاف ذلك، ولا قوة إلا بالله، غير أن الأشياء المقدورة، تفتقر إلى أسبابها المعلومَة، ولهذا كان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وهو في العريش يوم بدر يجتهد على الاستغاثة (١)


(١). رسمها في الأصل: «الاستعانة».

<<  <   >  >>