للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكُتِبَ إليه في ذلك، فجرَّدَ العزمَ وأراد أن يفعل في هذا الأمر ما يمحو عنه أثرَ هذه الشناعة التي وقعت، وطلع إلى جبل الكسروان من أصعب مسالكه، واجتمعت عليهم العساكر فقُتِلَ منهم خَلْق كثير، وتبدد شملهم وتمزقوا في البلاد، واستخدم الأمير سيف الدِّين أسندَمُر جماعةً منهم بطرابلس بجامكية وجراية من الأموال الديوانية، وسماهم رجال الكسروان، وأقاموا على ذلك سنين وأقطع بعضهم أجنادًا من حلقة طرابلس، وتفرق بقيتهم في البلاد، واضمحلَّ أمرُهم وخمل ذكرهم، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في رابع عشر صفر من السنة وأقطع جبال الكسروانيين والجرديين لجماعة من الأمراء التركمان وغيرهم، منهم: الأمير علاء الدِّين بن معبد البعلبكِّي، وعز الدِّين خطاب، وسيف الدِّين بُكْتُمُر الحُسامي، وأُعْطُوا الطبلخانات وتوجهوا لعمارة إقطاعهم وحفظ ميناء البحر من جهة بيروت.

وفي هذه السنة (١) كانت بدمشق فتنة بين جماعة من الفقراء الأحمدية والشيخ تقي الدِّين ابن تيمية، وذلك أنهم اجتمعوا في يوم السبت تاسع جمادي الأولى عند نائب السلطنة، وحضر الشيخ تقي الدِّين فطلبوا منه أن يسلم إليهم حالهم، وأن تقي الدِّين لا يعارضهم ولا ينكر عليهم، وأرادوا أن يظهروا شيئًا مما يفعلونه فقال لهم الشيخ: إن اتباع الشريعة لا يسع الخروج عنه، ولا يُقَرُّ أحد على خلافه، وهذه البدَع التي تفعلونها من دخول النار وإخراج الزبد من الحلق؛ لها حِيَل ذَكَرَها، وقال: من أراد منكم دخول النار فليغسل جسده في الحمام ثم يدلكه بالخل ثم يدخل بعد ذلك، فإن قدر على الدخول دخلت معه، ولو دخل بعد ذلك لم يرجع إليه، بل هو فعل من أفعال


(١). سنة (٧٠٤).

<<  <   >  >>