للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن نظر في سِيَر المصلحين وما أُلِّف من كتب مفردةٍ في إذايتهم مثل كتاب «المحن» لأبي العرب وغيره لم ير عالمًا لحقه من صنوف الأذايا من سجن وغيره مثل شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ.

وحسبي هنا أن أستقرئ من هذا «الجامع» وقائع سجنه والترسيم عليه:

لما بلغ ــ رحمه الله تعالى ــ الثانية والثلاثين من عمره وبعد عودته من حجته، بدأ تعرضه ــ رحمه الله تعالى ــ لأخبئة السجون، وبلايا الاعتقال، والترسيم عليه: «الإقامة الجبرية». خلال أربعة وثلاثين عامًا، ابتداء من عام ٦٩٣ إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الاثنين ٢٠/ ١١/ ٧٢٨ وكان سجنه سبع مرات: أربعٌ بمصر بالقاهرة وبالإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق، وجميعها نحو خمس سنين وجميعها كذلك باستعداء السلطة عليه من خصومه الذين نابذ ما هم عليه في الاعتقاد والسلوك والتمذهب عسى أن يفتر عنهم، وأن يقصر لسانه وقلمه عَمَّا هم عليه، لكنه لا يرجع.

وهذا بيان سَجَناته وأسبابها وآثارها:

السَّجْنَة الأولى: في دمشق عام ٦٩٣ لمدة قليلة، بسبب واقعة عساف النصراني، الذي شهد عليه جماعة أنه سَبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ الخبر شيخ الاسلام ــ رحمه الله تعالى ــ اجتمع هو والشيخ زين الدِّين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على نائب السلطان بدمشق، عز الدِّين أيبك الحموي فطلب النائب إحضاره، فحضر عساف ومعه مجيره «أمير آل علي» فضربهما الناس بالحجارة؛ لهذا طلب النائب الشيخين: ابن تيمية والفارقي، فضربهما بين يديه، وَرَسَّمَ عليهما بالعذراوية ثم استدعاهما النائب وأرضاهما، وادعى النصراني الإسلام، ثم قتل في طريقه إلى الحجاز، قتله ابن أخيه.

<<  <   >  >>