للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما تأخر كتابي عند هذه المدّة مللًا ولا خللًا بالمودّة، ولا تهاونًا بحقوق الإخاء، حاشا لله أنْ يشوب الأُخوّةَ في الله جفاء، ولا أزال أتعلل بعد وفاة الشيخ الإمام ــ إمام الدنيا - رضي الله عنه - ــ بالاسترواح إلى أخبار تلامذته وإخوانه وأقاربه وعشيرته والخصيصين به، لما في نفسي من المحبة الضرورية التي لا يدفعها شيءٌ، على الخصوص لمَّا اطلعت على مباحثه واستدلالاته التي تُزلزِل أركان المبطلين، ولا يثبت في ميادينها سفسطة المتفلسفين، ولا يقف في حلباتها أقدام المبتدعين من المتكلِّمين.

وكنت قبل وقوفي على مباحث إمام الدنيا - رحمه الله - قد طالعت مصنفات المتقدمين، ووقفت على مقالات المتأخرين من أهل الفلسفة ونُظَّار أهل الإسلام؛ فرأيت فيها الزخارف والأباطيل والشكوك التي يأنف المسلم الضعيف في الإسلام أن تخطر بباله، فضلًا عن القوي في الدين؛ فكان يتعب قلبي ويحزنني ما يصير إليه الأعاظم من المقالات السخيفة والآراء الضعيفة، التي لا يعتقد جوازَها آحادُ الأمة، وكنت أفتش على السنة المحضة في مصنفات المتكلمين من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - على الخصوص، لاشتهارهم بالتمسك بمنصوصات إمامهم في أُصول العقائد فلا أجد عندهم ما يكفي، وكنت أراهم يتناقضون إذ يؤصِّلون أُصولًا يلزم فيها ضد ما يعتقدون، أو يعتقدون خلاف مقتضى أدلتهم، فإذا جمعتُ بين أقاويل المعتزلة والأشعرية، وحنابلة بغداد وكرَّامية خراسان أرى أن إجماع هؤلاء المتكلمين في المسألة الواحدة على ما يخالف الدليل العقلي والنقلي، فيسوؤني ذلك، وأظل أحزن حزنًا لا يعلم كنهه إلا الله، حتّى قاسيت من مكابدة هذه الأُمور شيئًا عظيمًا لا أستطيع شرح أيسره، وكنت ألتجئ إلى الله سبحانه وتعالى وأتضرّع إليه، وأهرب إلى ظواهر النصوص، وألقى

<<  <   >  >>