المعقولات المتباينة، والتأويلات المصنوعة فتنبو الفطرة عن قبولها، ثم قد تشبثت فطرتي بالحق الصَّريح في أمهات المسائل، غير متجاسرة على التصريح بالمجاهرة قولًا وتصميمًا للعقد عليه، حيث لا أراه مأثورًا عن الأئمة وقدماء السَّلف، إلى أن قدَّر الله سبحانه، وقوع مصنّف (١)
الشيخ الإمام ــ إمام الدنيا ' ــ في يدي، قبيل واقعته الأخيرة بقليل، فوجدت فيه ما بهرني من موافقة فطرتي لما فيه، وعزو الحقّ إلى أئمة السنة وسلف الأُمة، مع مطابقة المعقول والمنقول! فبهت لذلك سرورًا بالحقّ، وفرحًا بوجود الضَّالّة التي ليس لفقدها عوض، فصارت محبة هذا الرجل - رحمه الله - محبة ضروريّة، تقصر عن شرح أقلّها العبارات ولو أطنبت، ولما عزمت على المهاجرة إلى لقيه، وصلني خبر اعتقاله، وأصابني لذلك المقيم المقعِد.
ولما حججت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة صممت العزم على السفر إلى دمشق لأتوصل إلى ملاقاته، ببذل مهما أمكن من النفس والمال للتفريج عنه، فوافاني خبر وفاته ــ رحمه الله تعالى ــ مع الرجوع إلى العراقِ، قبيل وصولي الكوفة، وجدت عليه ما لا يجده الأخ على شقيقه ــ وأستغفر الله ــ بل ولا الوالد الثّاكِل على ولده، وما دخل في قلبي من الحزن لموت أحدٍ من الولد والأقارب والإخوان كما وجدته عليه ــ رحمه الله تعالى ــ ولا تخيلته قط في نفسي ولا تمثلته في قلبي؛ إلا ويتجدد لي حزن قديمُه كأنه محدث، ووالله ما كتبتها إلا وأدمعي تتساقط عند ذكره أسفًا على فراقه وعدم ملاقاته، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.