وقال علم الدِّين في موضع آخر: رأيتُ في إجازة لابن الشَّهْرَزُوري المَوْصِلي خَطَّ الشَّيخ تقي الدِّين، وقد كَتَبَ تحته الشَّيخُ شمس الدِّين الذَّهَبيّ: هذا خَطُّ شيخنا الإمام، شيخ الإسلام، فَرْد الزَّمان، بحر العلوم، تقيِّ الدين. مولده عاشر ربيع الأوَّل سنة إحدى وستين وست مئة، وقرأ القُرْآن والفِقْه، وناظر واستدلَّ وهو دون البلوغ، وبَرَعَ في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين، وصنَّف التَّصانيف، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المُصَنَّفات الكبار الَّتي سارت بها الركبان، ولعلَّ تصانيفَه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كُرَّاس وأكثر، وفَسَّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صَدْره أيام الجُمَع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاتُه من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مئتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المُنْتَهى، وحِفْظُه للحديث ورجاله وصِحَّته وسُقمِه فما يُلْحق فيه، وأما نَقْلُه للفِقه ومذاهب الصَّحابة والتابعين ــ فضلًا عن المذاهب الأربعة ــ فليس له فيه نظير، وأما معرفته بالملل والنِّحَل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرًا، ويدري جُمْلَةً صالحة من اللُّغة، وعربيته قويةٌ جِدًّا، ومعرفته بالتَّاريخ والسِّيَر فَعَجَبٌ عجيب، وأما شجاعتُه وجهادُه وإقدامه فأمر يتجاوز الوصفَ ويفوق النَّعتَ، وهو أحد الأجواد الأسخياء الَّذين يُضْرب بهم المَثَل، وفيه زُهْد وقَنَاعةٌ باليسير في المأكل والمَلْبَس.
وقال الذَّهَبيّ في موضع آخر: كَانَ آيةً في الذكاء وسُرْعة الإدراك، رأسًا في مَعْرفة الكتاب والسُّنَّة والاختلاف، بحرًا في النَّقليات، هو في زمانه فريد عَصْره عِلْمًا وزُهْدًا وشجاعةً وسخاءً، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وكثرة تصانيف.