إلى أن قال: فإنْ ذُكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عُدَّ الفقهاء فهو مجتهدهم المُطْلق، وإن حَضَر الحُفَّاظ نَطَقَ وخَرِسُوا، وسَرَد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا، وإن سمِّي المتكلِّمون فهو فَرْدُهم، وإليه مَرْجعهم، وإن لاح ابنُ سينا يَقْدُم الفلاسفة فَلَّسهم وتيَّسَهُم (١)، وهَتَك أستارهم، وكشف عُوَارهم، وله يدٌ طُولى في معرفة العربية والصَّرْف واللُّغة، وهو أعظم من أن تَصِفَه كَلِمي، وينبِّه على شَأوه قلمي، فإنَّ سيرتَه وعلومَه ومعارفَه ومِحَنَه وتنقلاتِه يحتمل أنْ ترصَّع في مجلَّدتين.
وقال في مكان آخر: وله خِبْرَة تامَّة بالرِّجال، وجَرْحهم وتَعْديلهم وطبقاتهم، ومعرفةٍ بفنون الحديث، وبالعالي والنَّازل، وبالصَّحيح والسَّقيم، مع حفظه لمتونه الَّذي انفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته ولا يُقارِبه، وهو عَجَبٌ في استحضاره، واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب السِّتَّة والمُسند بحيث يَصْدُق عليه أن [يقال]: «كلُّ حديثٍ لا يعرفه ابنُ تيميَّة فليس بحديث»؛ ولكن الإحاطة لله، غير أنَّه يغترف فيه من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السَّواقي، وأما التفسير فمسلَّم إليه، وله في استحضار الآيات من القُرْآن ــ وقت إقامة الدَّليل بها على المسألة ــ قوةٌ عجيبة، وإذا رآه المقرئ تحيَّر فيه، ولفرط إمامته في التفسير وعَظَمة اطِّلاعه يبيِّنُ خطأ كثيرٍ من أقوال المُفَسِّرين، ويُوهي أقوالًا عديدة، وينصُرُ قولًا واحدًا موافقًا لما دَلَّ عليه القُرْآن والحديث، ويكتب في اليوم والليلة من التفسير، أو من الفِقْه، أو من الأصلين، أو من الرَّدِّ على الفلاسفة والأوائل نحوًا من أربعة كراريس أو أزيد، وما أُبْعِدُ أنَّ تصانيفه إلى الآن تبلُغُ خمس