للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تَيْميَّة في مفرداته؛ فقد أقررت على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف!

وإن قلت: لا أعذره، لأنَّه كافر، عدو الله تعالى ورسوله! قال لك خلقٌ من أهل العلم والدين: ما علمناه والله إلَّا مؤمنًا محافظًا على الصلاة، والوضوء، وصوم رمضان، معظمًا للشريعة ظاهرًا وباطنًا. لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخَّار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك. ولا هو بمتلاعب بالدين؛ فلو كَانَ كذلك؛ لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.

ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهي، ولا يفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن أو بالحديث أو بالقياس، ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أُسوةَ مَنْ تقدمه من الأئمة، فإن كَانَ قد أخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كَانَ قد أصاب؛ فله أجران.

وإنَّما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى ولم يُبْدِ حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرةٍ من علم ولا توسُّعٍ في نقل؛ فنعوذ بالله من الهوى والجهل.

ولا ريب أنَّه لا اعتبار بذم أعداء العالم؛ فإنَّ الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه. ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه؛ فإنَّ الحب يحملهم على تغطية هناته، بل قد يعدوها محاسن. وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين، الَّذين يتكلمون بالقسط، ويقومون لله ولو على أنفسهم وآبائهم.

فهذا الرَّجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالًا ولا جاهًا بوجه أصلًا،

<<  <   >  >>