للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيَّض الله سبحانه ذلك على العواقب المحمودة السارَّة والاختيارات المقصودة القارّة، ليلتقط من تلك الفوائد التي هي أنفسُ الفرائد قدرًا وثمنًا، وتَحْتَقِب من تلك الفوائد التي ما بمستفيدٍ عنها غِنى، كان ذلك غاية الغِنى ونهاية المُنى هنا، والله سبحانه على ذلك قدير، ولم يزل بالإجابة جديرًا قَمِنًا.

ثم إنّ الحبَّ في الله من أوثق عُرى الإيمان، ومن أقرب ما يتقرَّب به المتقرِّبون إلى الرحمن، كما قد ثبت ذلك عن أشرف الخلق وصفوة الحق. وهذا النمط وإن كان قد عزَّ في هذه الأعصار، وخَلَت من أهله أكثر القيعان والديار، لكن في الأمة بحمد الله تعالى بقايا، وكما يقال: وفي الزوايا خبايا.

والمحبَّةُ قد تحصل بالخَبَر والسّماع، وليس من شرطها الرؤية والاجتماع، بل معظمها لا يوجد إلا بواسطة التسامع والأخبار، ويتأكَّد بتواتر حُسْن المآثر ومُعاينة الآثار، وليست الأعين تعاين جميع الأعيان المحبوبة، وكيف وهي عن الملك الديّان الآن محجوبة، ثم الملائكة والرسل الكرام على الكلِّ منهم أفضل الصلاة والسلام، وأتباع الرسل من لدن آدم وهلمّ جرًّا إلى هذه الأيام، لهم في القلوب الحبّ الشديد ما لا يحتاج معه إلى شرح أو تعديد.

وإذا كانت المحبَّة ليست الرؤية فيها شرطًا، ولا ينتقصُ عدمها منها قسطًا، فلا غَرْو إذا ادّعى مدّعٍ محبةً في الله ــ إن شاء الله ــ لبعض أولياء الله، وإن لم تَجْمع بينهما المزاورة، ولا انتظمتهما الأيام في سلك المحاورة. لكن مُوجبها نقل المكارم التي تقل في هذا العصر إلا في الأفراد، ولا تكاد توجد فيه إلا في الآحاد.

<<  <   >  >>