للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا أحسّت الأسماعُ ببعض الأفذاذ في بعض البقاع هشَّت النفوسُ إلى لقائه، وتَبشْبَشت القلوبُ طمعًا في ودِّه وإخائه.

ولم تزل مآثر الحضرة العلية ومفاخر السُّدّة (١) الأوحديّة يضوع عَرْفُها في الآفاق، وتَفِدُ بها الوفود (٢) إلى العراق، حتى استجاب القلب لداعي تلك المآثر، وعَقَد عليها الخناصر [ق ١٩٣]، وصار في إنهاء ذلك الودِّ الراسخ إلى الحضرة العُلْيا متردِّدًا كالمقدّم فيه رِجْلًا والمؤخّر أخرى، إلى أن استخار الله سبحانه في هذا الإنهاء مجتهدًا، حتى ترجَّح له أن إحاطة العلوم المولوية بهذا المعنى أولى وأحرى، واستقرَّ في النفس أن تأخير هذا الأمر بعد تعرُّف القلوب ضربٌ من الجفاء أو إضراب عما جاء في السنة الغرَّاء: «إذا أحبّ أحدُكم أخاه فليُعْلِمه» (٣)، كما من السنة: أن من له جارٌ فليكرمه (٤).

وأما ما يُحاذَرُ في هذا من النسبة إلى سوء الأدب، لِمَ تهَجَّمَ ببداءة المكاتبة قبل الملاقاة والمصاحبة؟ فهذا مع كونه لا أصل له فهو يُفضي إلى المقاطعات وسدِّ باب المؤاخاة، بل كما أن إفشاء السلام مشروع عند الملاقاة، فقد يُعْتاض عن ذلك بالمكاتبات في الغيبات، وهذا هو عين الواقع،


(١) الأصل: «الشذه».
(٢) الأصل: «الفود».
(٣) أخرجه أحمد (١٧١٧)، والترمذي (٢٣٩٢)، وابن حبان (٥٧٠) وغيرهم من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه -. قال الترمذي: «حسن صحيح غريب»، وصححه ابن حبان والحاكم. وله شواهد.
(٤) يعني حديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ... » أخرجه البخاري (٦٠١٩)، ومسلم (٤٨) من حديث أبي شريح - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>