للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما في هذا من منازع.

ثم إن المشتاق إلى لقاء من لا يتمكّن من لقائه ليبدأه بالزيارة والسلام= مضطرٌّ إلى أن يستسعي قِمَم الأقلام (١) إذا أعْوَزه سَعْي الأقدام. ومتى قيل: إن في البداءة بالكتاب تكليفَ المكتوب إليه ردًّا للجواب، وليس ذلك كردِّ السلام على المُسَلِّم، إذ تلك كلمة خفيفة لا تَثْقُل على المتكلِّم، وأما المكاتبات فتقتضي أجوبةً قد يكون فيها كُلْفَة ومعاناة.

فيقال: إذا كانت المودّات صحيحات والأفئدة فسيحات ارتفعت التكليفات المستثقلات، فمن تيسّر له ردّ الجواب أنْعمَ ورَدَّ، ولا يُحْمَلُ عدم الردِّ على الإعراض والصدّ، بل أول درجات الإخاء الإعفاء عن تحمُّل الأعباء التي لا ييسرها القضاء، وحَمْل الأفعال والتروك على أحسن المحامل، والعاقل فلا يُخرِج الكمالَ عن فعل الكامل.

وأما المقدمات الرديَّة (٢) فلازمة للأفئدة الصديّة حاشى الحضرة العليّة! ولو فُرِض أن في هذا الابتداء نوعًا من سوء الأدب، فما خلا عن شوق غَلَب، وقضاء حقٍّ قد وجب، حتى إن الغاصب لا يُلام إذا بادر مبتدئًا بردِّ المغتصَب وإن كان مسيئًا لما اغتصب، فأيّ ملامٍ على مشتاقٍ إلى أهل الحقّ والقائمين به بحسب الإمكان في هذا الزمان، إذا أرسل إلى حضرتهم سلامًا، وابتدأ كلامًا بلا استئذان؟


(١) الأصل: «الإقدام» تحريف.
(٢) الأصل: «الرذية».

<<  <   >  >>