للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير (١) أنّ أهل الحقّ قد قلّوا، والطالبُ لهم قلّ بقلَّتهم، ومن وُجِد منهم يُغْتَنَم لقاؤه ويُطْلب إخاؤه، فإن عزّ اللقاء فالدعاء في ظهر الغيب، وانطواء الباطن على موالاتهم ومصافاتهم، ليعلم الله تعالى الإخلاص في موالاة أوليائه المعاصرين، أُسوةً بموالاة السلف الماضين الغابرين.

والمسؤول من الله تعالى أن يُكْثر عِداد الأولياء الأمجاد أهل الجدِّ والاجتهاد، وأصحاب المكافحة والجهاد، المحبين للحق، الناصحين للخلق، الصابرين على أذى الناس، المنتظمين في سلك الحازمين الأكياس.

ولقد منّ الله ــ سبحانه ــ على أهل هذا [ق ١٩٤] العصر بنعمةٍ عظيمة ما قَدَر أكثرُهم قَدْرَها، ولا قاموا لله بشكرها، أقامَ لهم عالمًا على رأس هذه المائة وأيّ عالم (٢)! غالبُ الظنّ أنّ أهل العلم ما عرفوه وحاش لله أن يعرفوه حقيقةَ المعرفة ويَقْلوه.

وهذا المسكين كاتب هذه الأسطر لم يقف على كلامه، ولم يعرف حاله إلّا قُرْبَ اعتقاله، وليت كان قبل ذلك بمدَّة طويلة، وأيّ حيلةٍ بعد فوتِ الحيلة، ولكن في الله الخَلَف، وفي بقائكم السلوان عمن سَلف.

ولما وصل إلى هنا بعضُ مصنّفاته، ووقف على أصول مقالاته، واعتبر قواعدَ تأسيساته في بحوثه ومُناظراته= رأى والله شيئًا بَهَره، وشاهد أمرًا حيّره! ولا كان يعتقد أنَّ مثل هذا البحث والبيان يكون في قوة إنسان! وما


(١) الأصل: «عن».
(٢) يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، وانظر رسالته إلى أبي عبد الله بن رُشيّق في كتابنا هذا (ص ٢٤١).

<<  <   >  >>