للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالجمع بينه وبين خُصَمائه بالمناظرة، والبحثِ حيث العيونُ ناظرة، بل يَبدُر حاكمٌ فيحكمُ باعتقاله، أو يمنعه من الفتوى، أو بأشياءَ من نوعِ هذه البلوى، لا بعد إقامة بيّنةٍ ولا تقدُّمِ دعوى، ولا ظهورِ حجّةٍ بالدليل، ولا وضوح محجَّةٍ للتأميل، وكان يَجد لهذا ما لا يُزَاح فيه ضَرَرُ شَكْوَى، ولا يُطفِئُ ضَرَم عَدْوى.

وكلُّ امرىٍ حازَ المكارمَ محسود

كضَرائرِ الحسناءِ قُلنَ لِوَجْهِها ... حسَدًا وبُغضًا إنه لَدَميمُ

كل هذا لتبريزه في الفضل حيثُ قصَّرتِ النُّظَراءُ، وتَجْلِيته كالمصباح إذْ أظلمت الآراءُ، وقيامِه في دفع حُجَّةِ التَّتار، واقتحامه، وسيوفُهم تتدفَّقُ لُجَّةَ البِدار، حتَّى جَلَس إلى السلطان محمود غازان حيث تَجِم الأُسْدُ في آجامِها، وتَسقُط القلوبُ في دواخلِ أجسامِها، وتَجِدُ النارُ فتورًا في ضَرَمِها، والسيوفُ فرقًا في قَرَمِها، خوفًا من ذلك السَّبُعِ المغتال، والنمروذِ المختال، والأجل الَّذي لا يُدفَع بحيلةِ مُحتال، فجلس إليه وأومأ بيده إلى صدرِه، وواجَهَه ودرأ في نَحْرِه، وطَلَبَ منه الدُّعَا، فرفعَ يديه ودعَا، دُعاءَ مُنصفٍ أكثرُه عليه، وغازانُ يؤمِّنُ على دعائه وهو مُقبلٌ إليه. ثمَّ كَانَ على هذه المواجهة القبيحة، والمشاتمة الصريحة أعظم في صدرِ غازانَ والمُغَل من كلّ من طلعَ معه إليهم، وهم سلف العلماء في ذلك الصَّدْر، وأهلُ الاستحقاقِ لرِفعةِ القَدْر.

هذا مع ما له من جهادٍ في الله لم يُفزِعْه فيه طلل الوشيج، ولم يُجزِعْه فيه ارتفاع النشيج، مواقفُ حروبٍ باشرَها، وطوائفُ ضُروبٍ عاشَرها، وبَوارِقُ صِفاحٍ كاشَرَها، ومضايقُ رِماح حاشَرَها، وأصناف خُصومٍ لُدٍّ اقتحمَ معها الغمراتِ، وواكلَها مختلفَ الثَّمرات، وقَطَع جِدالَهَا قوِيُّ لسانِه، وجِلادَها

<<  <   >  >>