شَبَا سِنانِه، قامَ بها وصابَرها، وبُلِيَ بأصاغِرها وقاسَى أكابرَها، وأهلِ بِدَعٍ قامَ في دِفاعِها، وجَهدَ في حَطِّ يَفَاعِها، ومخالفةِ مِلَلٍ بَيَّنَ لها خطأ التأويلِ، وسَقَمَ التَّعليلِ، وأسكَتَ طَنِينَ الذُّباب في خياشيم رؤوسهم بالأضاليل، حتَّى ناموا في مراقدِ الخضُوع، وقاموا وأرجلُهم تَتساقَطُ للوقوع، بأدِلَّةٍ أقطعَ من السيوف، وأجمعَ من السُّجُوف، وأجلَى من فَلَقِ الصَّباح، وأجلبَ من فِلَقِ الرّماحِ.
إذا وَثَبَتْ في وجهِ خَطْبٍ تمزَّقَتْ ... على كتفيهِ الدِّرْعُ وانْتَثَر السَّرْدُ
إلَّا أنَّ سابقَ المقدور أوقَعَه في خَلَلِ المَسَائِل، وخَطَل خَطَأٍ لا يأمَنُ فيه مع الإكثارِ قائِلٌ، وأظنُّه ــ واللهُ يَغفِرُ له ــ عُجِّلَتْ له في الدنيا المقاصَّة، وأخذ نَصِيبَه من بلواها عامَّةً وله خاصَّة، وذلك لحطِّه على بعض سلفِ العلماء، وحَلِّه لقواعدَ كثيرةٍ من نواميسِ القدماء، وقِلَّةِ توقيرِه للكُبَراء، وكثرةِ تكفيرِه للفُقراء، وتزييفه لغالبِ الآراء، وتقريبه لجهَلَةِ العوامِّ وأهلِ المِراء، وما أفتَى به آخرًا في مسألتَي الزيارةِ والطلاق، وإذاعتِه لهما حتَّى تكلّم فيهما من لا دينَ له ولا خلاق، فسلّط ذُبالَ الأعداءِ على سَلِيطه، وأطلقَ أيديَ الاعتداءِ في تفريطِه، ولَقَّمَ نارَهم سَعَفَه، وأرَى أقساطَهم سَرَفه، فلم يَزَلْ إلى أن ماتَ عِرْضُه منهوبًا، وعَرْضُه مَوْهُوبًا، وصَفَاتُه تَتصدَّع، ورُفَاتُه لا يتجمَّع، ولعلَّ هذا لخيرٍ أُريدَ به، وأُرِيغَ له لحُسنِ مُنقَلَبه.
وكان تعمُّده (١) للخلاف، وتَقصُّدُه بغيرِ طريقِ الأسْلَاف، وتقويتُه للمسائل الضعاف، وتقويضُه عن رؤوسِ السِّعاف، يُغَيّر مكانته من خاطِر
(١) الأصل: «لتعمده» ولعل الصواب ما أثبتنا بدليل ما سيأتي (ص ٦٣٥).