للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم، ولله الحمد» (١).

وذكر ابن القيم أن من الناس من لا يَستفتي ديانة، وإنما يَستفتي ليتوصَّل إلى حصول غرضه بأيِّ طريقٍ اتفق، ثم قال: «قال شيخنا ــ رحمه الله ــ مرة: أنا مُخيَّر بين إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدين، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليَّ، بخلاف من يسأل عن دينه.

وقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في حقِّ من جاءه يتحاكم إليه لأجل غرضه لا لالتزامه لدينه - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} [المائدة: ٤٢]. فهؤلاء لمَّا لم يلتزموا دينَه لم يلزمه الحكم بينهم، والله تعالى أعلم» (٢).


(١) «أعلام الموقعين» (٥/ ٦٦ - ٦٧). وهذه الحادثة هي المذكورة في ترجمة الشيخ المفردة لابن عبد الهادي (ص ٢٩٧) قال: «ثم إن الوزير أنهى إلى السلطان أن أهل الذمة قد بذلوا للديوان في كل سنة سبعمائة ألف درهم زيادة على الجالية على أن يعودوا إلى لبس العمائم البيض المعلَّمة بالحمرة والصفرة والزرقة، وأن يعفوا من هذه العمائم المصبغة كلها بهذه الألوان التي ألزمهم بها ركن الدِّين الشاشنكير؛ فقال السلطان للقضاة ومن هناك: ما تقولون؟ فسكت الناس!
فلما رآهم الشيخ تقي الدِّين سكتوا، جثا على ركبتيه، وشرع يتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ، ويرد ما عرضه الوزير عنهم ردًّا عنيفًا، والسلطان يسكته بترفق وتؤدة وتوقير.
فبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله ولا بقريب منه، حتى رجع السلطان عن ذلك وألزمهم بما هم عليه واستمروا على هذه الصفة. فهذه من حسنات الشيخ تقي الدِّين ابن تيمية - رحمه الله -».
(٢) «أعلام الموقعين»: (٥/ ١٧٨ - ١٧٩).

<<  <   >  >>