للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ في ذلك أمرًا عجيبًا، كان إذا سُئل عن مسألة حُكمية ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة ــ إذا قَدَر ــ ومأْخَذَ الخلاف، وترجيح القول، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته، وهذه فتاويه ــ رحمه الله ــ بين الناس، فمَنْ أحبَّ الوقوفَ عليها رأى ذلك.

فمِنْ جُود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلَّقها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه.

وقد سأل الصحابةُ - رضي الله عنهم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن المتوضّئ بماء البحر؟ فقال: «هو الطَّهور ماؤُه الحلُّ ميتتُه» (١). فأجابهم عن سؤالهم، وجادَ عليهم بما لعلَّهم في بعض الأحيان إليه أحوَج مما سألوه عنه.

وكانوا إذا سألوه عن الحكم نبَّههم على عِلَّته وحِكْمته، كما سألوه عن بيع الرُّطب بالتَّمْر؟ فقال: «أينقص الرُّطب إذا جفَّ؟ » قالوا. نعم قال: «فلا إذن» (٢). ولم يكن يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - نُقصان الرطب بجفافه، ولكن نبّههم على عِلّة الحُكْم.


(١) أخرجه أبو داود (٨٣)، والترمذي (٦٩)، والنسائي: (١/ ٥٠)، وابن ماجه (٣٨٦) وغيرهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والحديث صححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم وضعفه غير واحد والكلام عليه طويل الذيل. راجع «البدر المنير»: (١/ ٣٤٨ - ٣٨١).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٥٩)، والترمذي (١٢٢٥)، والنسائي: (٧/ ٢٦٨)، وابن ماجه (٢٢٦٤) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. قال الترمذي: حسن صحيح.

<<  <   >  >>