للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآفات، والاشتغال بتنقية الطرق وبتنظيفها؟ فقال لي جملة كلامه: النفس مثل الباطوس ــ وهو جب القذر ــ كلما نبشته ظهر وخرج، ولكن إن أمكنك أن تسقف عليه وتعبره وتجوزه فافعل، ولا تشتغل بنبشه، فإنك لن تصل إلى قراره، وكلما نبشت شيئًا ظهر غيرُه.

فقلت: سألت عن هذه المسألة بعض الشيوخ، فقال لي: مثل آفات النفس مثال الحيات والعقارب التي في طريق المسافر، فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع ولم يمكنه السفر قط، ولكن لتكن همتك المسير والإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله، ثم امض على سيرك.

فاستحسن شيخ الإسلام ذلك جدًّا، وأثنى على قائله» (١).

وقال: «وقال لي شيخ الإسلام - رضي الله عنه - وقد جعلت أورِدُ عليه إيرادًا بعد إيراد ــ: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السِّفِنْجة فيتشرَّبها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزّجاجة المُصْمَتة تمرُّ الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشْرَبت قلبَك كلَّ شبهة تمرّ عليها صار مقرًّا للشبهات. أو كما قال.

فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك» (٢).

ــ التحوّل من المذهب:

قال ابن القيم: «وقد سمعت شيخنا - رحمه الله - يقول: جاءني بعض


(١) «مدارج السالكين»: (٢/ ٣١٣ - ٣١٤).
(٢) «مفتاح دار السعادة»: (١/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>