للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنهم قالوا: الواجب ما لا يتوقف وجوده على وجود ممكنه، والممكن ما يتوقف وجوده على وجود واجبه، فقال - رحمه الله -: هذا كلام مستقيم؛ فقلت: هذا القول هو عين القول بالعلة والمعلول، فقال: كذا هو، إلَّا أنَّ ذلك علة ناقصة ولا يكون علةً تامة إلَّا بانضمام إرادته فإذا انضمت الإرادة إلى وجود الواجب تعين وجود الممكن. ثمَّ اجتمعتُ به بعد ذلك مرات عديدة وكان إذا رآني قال: أيشٍ حس الإيرادات، أيشٍ حس الأجوبة، أيشٍ حس الشكوك؟ أنا أعلم أنك مثل القِدر الَّتي تغلي تقول بَق بَق بَق، أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، لازمني لازمني تنتفع. وكنت أحضر دروسه ويقع لي في أثناء كلامه فوائد لم أسمعها من غيره ولا وقفت عليها في كتاب، رحمه الله تعالى.

وعلى الجملة؛ فما رأيت ولا أرى مثله في اطّلاعه وحافظته ولقد صَدَّقَ ما سمعنا به عن الحفّاظ الأول وكانت هممه علية إلى الغاية لأنَّه كَانَ كثيرًا ما ينشد (١):

تموتُ النفوسُ بأوْصابِها ... ولم تشكُ عوَّادَها ما بها

وما أنْصَفَتْ مهجةٌ تشتكي ... أذاها إلى غيرِ أحبابها

ويُنْشد أيضًا (٢):

مَنْ لم يُقَدْ ويُدَسُّ في خَيْشومِهِ ... رَهَجُ الخميسِ فلن يقودَ خميسا

وكان في ربيع الأوَّل سنة ثمان وتسعين قد قام عليه جماعة من الشافعية وأنكروا عليه كلامه في الصفات وأخذوا فتياه الحمويّة وردّوا عليه فيها،


(١) البيتان لِصُرَّدُرّ، وسَبَقَا في «أعيان العصر».
(٢) البيت لأبي تمام.

<<  <   >  >>