للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعنى العبادة، ولكن يتوسّل به ويُتَشفع به إلى الله. فبعض الحاضرين قال: ليس عليه في هذا شيء، ورأى القاضي بدر الدِّين بن جماعة أنَّ هذا فيه قلة أدب، فحضرت رسالة إلى القاضي أنْ يعمل معه ما تقتضيه الشريعة، فقال القاضي: قد قلت له ما يقال لمثله.

ثمَّ إنَّ الدولة خيروه بين أشياء؛ إمَّا أنْ يسير إلى دمشق أو الإسكندرية بشروط أو الحبس، فاختار الحبس، فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزمًا ما شُرط، فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرًا لخواطرهم، فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال، ثمَّ أرسلوا خلفه من الغد بريدًا آخر، فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء، فقال له بعضهم: إنَّ الدولة ما ترضى إلَّا بالحبس، فقال القاضي: وفيه مصلحة له. واستناب شمس الدِّين التونسي المالكي وأذن له أنْ يحكم عليه بالحبس فامتنع وقال: ما ثبت عليه شيء، فأذن لنور الدِّين الزواوي المالكي فتحيَّر، فلما رأى الشَّيخُ توقفَهم في حبسه قال: أنا أمضي إلى الحبس وأتّبِع ما تقتضيه المصلحة. فقال نور الدِّين الزواوي: يكون في موضع يصلح لمثله. فقيل له: الدولة ما ترضى إلَّا بمسمى الحبس، فأُرسل إلى حبس القضاة، وأُجْلِس في المكان الَّذي أُجْلس فيه تقي الدِّين ابن بنت الأعزّ حين سُجن، وأذن له أنْ يكون عنده من يخدمه، وكان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة، فإنه كَانَ قد استحوذ على عقل الجاشنكير الَّذي تسلطن فيما بعد، وغيره من الدولة، والسلطان مقهور معه.

واستمر الشَّيخ في الحبس يُستفتى ويقصده الناس ويزورونه، وتأتيه الفتاوي المشكلة الَّتي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء وأعيان الناس، فيكتب

<<  <   >  >>