للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤] ليس معناه أنَّه مختلط بالمخلوقات وحالٌّ فيها، ولا أنَّه بذاته في كل مكان، بل هو سبحانه وتعالى مع كل شيء بعلمه وقدرته ونحو ذلك، فالله سبحانه وتعالى مع العبد أينمَا كَانَ، يسمع كلامه، ويرى أفعاله، ويعلم سره ونجواه، رقيب عليهم مهيمن عليهم، بل السماوات والأرض وما بينهمَا كل ذلك مخلوق لله، ليس الله بحالٍّ في شيء منها سبحانه، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا أفعاله، بل يوصف الله بمَا وصف به نفسه، وبمَا وصفه به رسوله، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، فلا تمثل صفاته بصفات خلقه، ومذهب السلف: إثباتٌ بلا تشبيه، وتنزيهٌ بلا تعطيل. وقد سئل الإمام مالك - رضي الله عنه - عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

فهذا الإمام كما رأيتَ عقيدته، وكاشفتَ سريرته، فمن كَانَ على هذه العقيدة كيف ينسب إليه الحلول والاتحاد، أو التجسيم أو ما يذهب إليه أهل الإلحاد؟

أعاذنا الله وإياكم من الزيغ والضلال والعناد، وهدانا إلى سبيل الخير والرشاد، إنَّه على كلِّ شئٍ قدير، وبالإجابة جدير.

حرره مُنمَّقًا فقير رحمة ربه الغني، أبو محمد محمود بن أحمد العيني، عامله الله بلطفه الخفي والجلي. بتاريخ الثَّاني عشر من ربيع الأول، عام (٨٣٥) بالقاهرة المحروسة.

* * * *

<<  <   >  >>