للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوفي والده الشَّيخ شهاب الدِّين وكان عمره إذ ذاك إحدى وعشرين سنة، فقام بوظائفه ودرس بدار الحديث السُّكَّرية في أول سنة ثلاث وثمانين، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدِّين بن الزَّكيّ (١)، والشَّيخ تاج الدّين (٢) الفَزَارِيُّ، والشَّيخُ شهاب الدِّين ابن المُرَحِّلِ، والشِّيخُ زين الدِّين ابن المُنَجَّى وذكر درسًا عظيمًا في البَسْمَلَة، وعظمه الجماعة الحاضرون فأثنوا عليه ثناءً كثيرًا.

قال الذَّهَبيُّ: وكان الشَّيخ تاج الدِّين الفَزَارِيُّ يبالغُ في تعظيمه بحيثُ إنَّه علق بخطِّه دَرْسَهُ بالسُّكرية. ثمَّ جلس مكان والده بالجامع يفسّر القرآن الكريم وشرع من أوله، وكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر، وبقي يفسّر في سورة نوح عدة سنين، وفي وقتٍ ذَكَر يومَ جُمعة شيئًا من الصفات فقام بعضُ المخالفين وسعوا في منعه فلم يمكنهم ذلك.

وقال قاضي القُضَاة شِهابُ الدِّين الخُوَيِّي: أنا على اعِتقادِ الشَّيخ تَقِيّ الدّين، فعُوتبَ في ذلك، فقال: لأن ذهنه صحيحٌ وموادّه كثيرة، فهو لا يقولُ إلَّا الصَّحيح.

وكان أعجوبةَ زمانِهِ في الحفظ وقد حُكي أنَّ بعضَ مشايِخ حَلَب قدم دمشق لينظر إلى حفظ الشَّيخ فسأل عنه فقيل الآن يحضر، فلما حضر ذكر له أحاديث فحفظها من ساعَته، ثمَّ أملى عليه عدة أسانيد انتخبها ثمَّ قال: اقرأ هذا فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشَّيخ الحلبى وهو يقول: إن عاشَ هذا الفَتى ليكونَنّ له شأنٌ عظيمٌ فإنَّ هذا لم يُرَ مثلُه، وقالَ الشَّيخُ شرفُ الدين: أنا أرجو بركته ودعاءه؛ وهو صاحبي وأخي. ذكر ذلك البِرزَالِيُّ في «تاريخه».


(١) في المطبوعة: «شهاب الدِّين بن المزكِّي»! والتصويب من المصادر.
(٢) في المطبوعة: «شهاب الدين» والتصويب من المصادر.

<<  <   >  >>