للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ شرع في الجَمع والتَّصنيف من العشرين، ولم يزَل في عُلُوٍ وازْدياد في العِلم والقَدرِ إلى آخر عُمُرِه. قالَ الحافِظُ المِزَّي: ما رأيْتُ مثلَه، ولا رأى هو مثل نَفْسِهِ. وذكرَهُ الذَّهبيُّ في «مُعْجَم شُيُوخِهِ»، ووصفه بأنَّه شيخُ الإسلام، وفريدُ عَصْرِه علمًا ومعرفةً وشجاعةً وذكاءً ونصحًا للأمَّة [و] أمْرًا بالمعروفِ ونَهْيًا عن المُنكر إلى غير ذلك من الصِّفاتِ الحَمِيْدة، والأخلاق المَرْضِيَّة.

وقال الشَّيخُ كمالُ الدِّين ابن الزَّملكاني: كَانَ ابن تَيْمِيِّة إذا سُئِلَ عن فنٍّ من العِلْم ظَنَّ الرائِي والسَّامع أنَّه لا يَعرِفُ غيرَ ذلك الفَنّ، وحكمَ أنَّ أحدًا لا يعرفه مثلَهُ، وكان الفقهاءُ من سائِر الطَّوائِفِ إذا جالسُوه استفادوا منه في مذاهبهم أشياء، ولا يُعْرَفُ أنَّه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تَكَلَّم معه في علمٍ من العلومِ سواءً كَانَ من علومِ الشَّرع أو غَيرها إلَّا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شُروط الاجتهاد على وجهها.

قالَ الشَّيخُ زينُ الدِّين ابن رَجَبِ: وقد عُرض عليه قضاء الحنابلة قبل التِّسعين ومشيَخَة الشُّيوخ فلم يَقْبَل شيئًا من ذلك. وقد كتبَ ابن الزّملكاني بخطِّه على كتاب «إبطال الحِيَل» ترجمةَ الكِتَاب، واسم الشَّيخ وترجم له تَرجمة عظيمة وأثنى عليه شيئًا كثيرًا وكتب تحته بخطِّهِ:

ماذَا يَقُوْل الوَاصِفُونَ لَهُ ... وصِفَاتُهُ جَلَّتْ عن الحَصْرِ

هو حُجَّةٌ للهِ قاهِرَةٌ ... هو بَيْنَنَا أُعْجُوْبَةُ الدَّهْر

هو آيةٌ للخَلْقِ ظَاهِرَةٌ ... أنْوارُها أرْبَتْ على الفَجْر

وحَكَى الذَّهَبيُّ، عن الشَّيخ تقي الدِّين ابن دَقيق العِيْد، أنَّه قالَ له عند اجتماعه به وسماعه لكلامِهِ: ما كنتُ أظُنُّ أنَّ الله تعالى بقِي يخلق مثلك. وقد كَتَب العَلّامة قاضي القُضاة تقي الدِّين السُّبكيُّ إلى الحافظ الذَّهبيّ في أمر

<<  <   >  >>