للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشّيخ تقِيّ الدين: فالمملوك يتحقق أن قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده بلغ من ذلك كلَّ المبلغ الذي يتجاوزه الوصف، والمملوك يقول ذلك دائمًا، وقدره في نفسي أكثر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله تعالى [له] من الزّهادة والوَرع والدِّيانة ونُصرة الحقّ والقِيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سَنَنِ السَّلَف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزَّمان، بل [من] أزمان.

وللشَّيخ أثير الدِّين أبي حيَّان الأنْدَلسي النَّحوي لما دَخلَ الشَّيخ إلى مصر واجتمع به قال أبياتًا لم يَقُلْ خيرًا منها ولا أفحل:

لمَّا رأيْنَا تَقِيَّ الدِّين لاحَ لَنَا ... داعٍ إلى اللهِ فردٌ ما له وَزَرُ

على مُحَيَّاهُ مِنْ سِيْمَا الأُولَى صَحِبُوا ... خيرَ البَرِيَّةِ نُوْرٌ دُوْنَهُ القَمَرُ

حَبْرٌ تَسَرْبَلَ مِنْهُ دَهْرُهُ حِبَرًا ... بَحرٌ تَقَاذَفُ مِن أمواجه الدُّرَرُ

قامَ ابنُ تَيْمِيَّةٍ في نَصْرِ شِرعَتِنَا ... مَقَامَ سَيِّدِ تَيْمٍ إذْ عَصَتْ مُضَرُ

فأظهرَ الحقَّ إذا آثارُهُ دَرَسَتْ ... وأخْمدَ الشِّرْكَ إذ طارَتْ لَهُ شَرَرُ

يا مَنْ يُحَدِّثُ عن عِلْمِ الكتابِ أصِخْ ... هذا الإمامُ الذي قَدْ كان يُنتظر

وأمَّا مناظرتُهُ للخصوم وإفحامُهم وقطعُهُم لديه فهو ظاهرٌ، وكتبه التي صنَّفَها فهى أشهر من أن تذكر وتعرف فإنها سارت مسيرَ الشَّمس في الأقطار وامتلأت بها البلاد والأمصار، وقد جاوزت حد الكثرة فلا يمكن أحدًا حَصْرُها، ولا يتسع هذا المكان لعدها. وله اختيارات غريبة جمعها بعضهم في مجلَّدٍ لطيف. ووقع له أمور وأحوال قام عليه فيها المعاندُ والحاسدُ إلى أن وصلَ الحال به أن وُضِعَ في قلعة دمشق في مقام أبي الدَّرْدَاء - رضي الله عنه - سنة ستٍّ وعشرين في شَعبان إلى ذي القَعْدة سنة ثمانٍ وعشرين، ثمَّ مرض أيَّامًا

<<  <   >  >>