للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتمييز بين صحيح ذلك وسقيمه ومعوجّه وقويمه، وقد ترجمه الشَّيخ الإمام العلَّامة القاضي البارع مجموع الفضائل شهاب الدِّين أبو العَبَّاس أحمد بن فضل الله كاتب السرّ بالديار المصرية والشامية في «تاريخه» الَّذي ذكر فيه البلاد وما فيها من الأعيان والمشاهير والعلماء والأماثل فذكر اسمه ثمَّ قال: هو البحرُ من أيِّ النواحِي جِئتَه، والبدرُ من أيّ الضواحِي رأيتَه، جَرَتْ آباؤُه لِشَأْوٍ ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مُريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يَرضَى بِغاية، ولا يقضى له بنهاية. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ الصباح ليُحَاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ اللّيلَ والنهارَ دائبينِ، واتخذ العلمَ والعملَ صاحبَينِ، إلى أن أنسى السلَّفَ بِهُداه، وأنْأى الخَلَف عن بلوغ مَدَاه.

وَثَقَّفَ الله أمْرًا بات يَكلؤُهُ ... يَمضِي حُساماه فيه السيفُ والقلمُ

بهمَّةٍ في الثريَّا أثرُ أخْمَصِها ... وعَزْمَةٍ ليسَ من عادتِها السَّأمُ

على أنَّه من بيتٍ نشأ منه علماء في سالفِ الدُّهُور، ونسأت منه عْظَماء على المشاهير الشُّهور، فأحْيَا معالمَ بيتهِ القديم إذْ دَرَسَ، وجَنَى من فننه الرَّطيبِ ما غَرَسَ، وأصبحَ في فضله آيةً إلَّا أنَّه آيةُ الحَرَسِ، عَرضَتْ له الكُدَى فزَحْزَحَها، وعارضَتْه البحارُ فضَحْضَحَها، ثمَّ إنَّه كَانَ أُمَّةٌ وحده، وفردًا حتَّى نزلَ لَحْدَه. أَخْمَلَ من القُرَناءِ كلَّ عَظِيم، وأخْمَدَ من أهل الفناءِ كلَّ قديم، ولم يكن منهم إلَّا مَن يُجْفِل عنه إجفالَ الظَّليم، ويَتَضاءلُ لديه تَضاؤُلَ الغَرِيم.

مَا كانَ بعض الناسِ إلّا مِثْلَما ... بعضُ الحصَا الياقوتةُ الحمراءُ

جاء في عصرٍ مأهولٍ بالعلماء، مشحونٍ بنجومِ السّماء، يَمُوجُ في جانبَيهِ بحورٌ خَضَارِمُ، ويطِيرُ بين خافِقيهِ نُسُورٌ قَشَاعِمُ، وتُشْرِقُ في أنديتهِ بُدورُ دُجُنَّةٍ، وصدورُ أسِنَّةٍ، ويَثْأرُ جُنُودُ رَعيلٍ، وتَزْأرُ أسودُ غِيْلٍ، إلَّا أنَّ صَبَاحَه طَمَسَ

<<  <   >  >>